تسخير الابتكار لتحقيق استثمارات مستدامة في الأراضي والإسكان في المنطقة العربية
في حين تكافح المنطقة العربية مع التوسع الحضري السريع وارتفاع تكاليف الأراضي وتحديات تغير المناخ، تتطلع الحكومات وأصحاب المصلحة من القطاع الخاص إلى الابتكار الرقمي كعامل تغيير في حوكمة الأراضي. جمعت الجلسة رفيعة المستوى حول ابتكار قطاع الأراضي من أجل الاستثمارات المستدامة والإسكان الوزراء وصناع السياسات وقادة القطاع الخاص لاستكشاف كيف يمكن للتكنولوجيات المتقدمة - مثل نظم المعلومات الجغرافية والذكاء الاصطناعي والسجلات العقارية ثلاثية الأبعاد والبلوك تشين - تحويل حوكمة الأراضي وتعزيز فرص الاستثمار وضمان إمكانية الوصول إلى الإسكان.
مع ظهور أمن حيازة الأراضي كحجر أساس للنمو الاقتصادي، شددت الجلسة على دور التحول الرقمي في خلق الشفافية والحد من النزاعات على الأراضي وجذب الاستثمار. ومن خلال دراسات الحالة من المغرب ومصر ولبنان وفلسطين وأفريقيا، تبادل المتحدثون رؤاهم حول كيفية تشكيل التقنيات الجديدة للتخطيط الحضري وإدارة الأراضي وأسواق العقارات.
أهم النقاط المستفادة من الجلسة رفيعة المستوى
1. التحول الرقمي في سياسات الأراضي والاستثمار بالمغرب
بدأت المناقشة مع السيدة بدرية بنجلون، مديرة التخطيط الحضري، وزارة التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، المغرب، التي سلطت الضوء على تحديات التوسع الحضري، وندرة الأراضي، وارتفاع التكاليف في المغرب وفي جميع أنحاء العالم العربي.
"لقد شهد المغرب نموًا حضريًا سريعًا، وبحلول عام 2050، سيزداد هذا الاتجاه حدة. وتتزايد تكلفة الأراضي، ويصبح الوصول إلى الأراضي للإسكان والتنمية أكثر تعقيدًا، وتشكل مخاطر المناخ تحديات إضافية. ولمعالجة هذه التحديات، وضع المغرب التحول الرقمي في صميم استراتيجيته الوطنية."
واستعرضت نموذج التنمية الوطنية المغربي 2025، الذي يدمج السجلات العقارية الرقمية ومنصات الحوكمة الإلكترونية وحوافز الاستثمار الذكية. ومن الجدير بالذكر أن المغرب أنشأ 12 مركزا استثماريا إقليميا لتبسيط معاملات الأراضي والحد من الفوارق الإقليمية وتعزيز الاستثمار المستدام.
"ومن خلال التحول الرقمي، فإننا نضمن الشفافية في معاملات الأراضي، وتقليل التأخيرات البيروقراطية، وجعل موارد الأراضي أكثر سهولة في الوصول إليها بالنسبة للمستثمرين والمواطنين على حد سواء."
2. المدن الذكية في مصر وحوكمة الأراضي المعتمدة على تقنية البلوك تشين
استعرض خالد صديق إبراهيم، رئيس مجلس إدارة صندوق التنمية الحضرية في مصر، كيفية استفادة مصر من الذكاء الاصطناعي والبلوك تشين واللوحات الرقمية لتسريع التوسع الحضري وتحويل المناطق العشوائية إلى مشاريع سكنية حديثة.
"في مصر، نستخدم بالفعل الذكاء الاصطناعي وسجلات الأراضي القائمة على تقنية البلوك تشين لتحسين الكفاءة. واليوم، يمكن لمسؤولي الحكومة تتبع المشاريع الحضرية في الوقت الفعلي باستخدام لوحات المعلومات الرقمية، مما يسمح باتخاذ القرارات بناءً على البيانات."
وأشار إلى نجاح مصر في تحويل المناطق العشوائية إلى مناطق عقارية عالية القيمة، مثل تطوير أرض أبو عرب على مساحة 500 فدان وتحويلها إلى حديقة مركزية ومركز ترفيهي.
"بفضل المراقبة في الوقت الفعلي وسجل الأراضي الرقمي، يمكننا اتخاذ قرارات مستنيرة بسرعة، مما يجعل الاستثمار في الأراضي أكثر جاذبية مع ضمان النمو الحضري المستدام."
3. دروس حوكمة الأراضي في أفريقيا والحلول القائمة على التكنولوجيا
ومن منظور أفريقي، أكدت السيدة جوان كاجوانجا، رئيسة قسم تحويل الأراضي والزراعة في اللجنة الاقتصادية لأفريقيا التابعة للأمم المتحدة، على الحاجة إلى إصلاحات حيازة الأراضي وتقنيات رسم الخرائط الرقمية في جميع أنحاء القارة.
"كان يُنظر إلى حوكمة الأراضي تاريخيًا باعتبارها قضية سياسية، ولكن اليوم، يُنظر إليها باعتبارها محركًا اقتصاديًا. نحن نستخدم الأدوات الرقمية لرسم خريطة حقوق الأراضي، وضمان عدم استبعاد أصحاب الحيازات الصغيرة والنساء والفئات الضعيفة من فرص الاستثمار."
وأشارت إلى نجاح رواندا في رقمنة سجلات الأراضي، وهو ما عزز الاستثمار، وخفض النزاعات على الأراضي، وحسن الإنتاجية الزراعية.
"إن التزام القيادة أمر ضروري. فعندما تعطي الحكومات الأولوية لرقمنة الأراضي، فإنها تفتح الباب أمام فرص اقتصادية هائلة وتحد من التفاوت".
4. إصلاح الأراضي الرقمية وتنشيط الاستثمار في لبنان
قدمت السيدة كلودين كركي، المستشارة الأولى لوزير المالية في لبنان، رؤى حول كيفية استفادة لبنان من الخدمات الرقمية لجذب الاستثمار الأجنبي على الرغم من التحديات الاقتصادية.
"لقد نجح لبنان في رقمنة سجله العقاري بالكامل، مما جعل جميع معاملات الأراضي شفافة ويمكن الوصول إليها عبر الإنترنت. واليوم، يستطيع المستثمرون التحقق من ملكية الأراضي والأسعار، وحتى تلقي إشعارات فورية حول تحديثات الملكية، مما يقلل من مخاطر الاحتيال والفساد."
كما قدمت بوابة "One-Stop Shop" الرقمية القادمة في لبنان، والتي ستسمح للمستثمرين والمواطنين بإكمال معاملات الأراضي بالكامل عبر الإنترنت، دون الحاجة إلى زيارة المكاتب الحكومية.
"تضمن الرقمنة أن تكون معاملات الأراضي آمنة وشفافة وفعالة. وهذا أمر أساسي لتنشيط قطاع العقارات في لبنان وجذب الاستثمار."
5. نضال فلسطين من أجل السيادة على الأرض والزراعة المستدامة
وقد قدم السيد سليم أبو ظاهر، وكيل وزارة الأشغال العامة والإسكان في فلسطين، مداخلة قوية حول تأثير السيطرة على الأراضي، والتهجير، والسيادة الزراعية.
"إننا نواجه مصادرة غير مسبوقة للأراضي والتهجير القسري. إن تأمين حيازة الأراضي لا يتعلق بالاستثمار فحسب، بل يتعلق أيضًا بحماية سبل العيش والسيادة".
وأكد على الحاجة إلى حوكمة قوية، ورسم خرائط الأراضي بقيادة المجتمع، والاستثمار الزراعي المستدام لمواجهة فقدان الأراضي.
"تستخدم فلسطين الآن صور الأقمار الصناعية وسجلات الأراضي الرقمية لتوثيق وحماية أراضينا. يتعين علينا أن نضمن أن يخدم الابتكار في مجال الأراضي الناس، وليس المصالح الاقتصادية فقط".
6. دمج التكنولوجيا والحوكمة لتحقيق النمو الحضري المستدام
خلال الجلسة، أكد المتحدثون على أهمية دمج التقدم التكنولوجي مع سياسات الحوكمة السليمة. ومن بين الابتكارات التكنولوجية الرئيسية التي تمت مناقشتها:
التخطيط الحضري باستخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين استخدام الأراضي وخفض تكاليف البنية التحتية.
سجلات الأراضي المعتمدة على تقنية البلوكشين لمنع الاحتيال والفساد والنزاعات.
لوحات معلومات رقمية لتوفير مراقبة في الوقت الفعلي لمشاريع الأراضي.
رسم الخرائط الجغرافية المكانية لتقييم مخاطر المناخ وتحسين القدرة على الصمود.
وأكد النقاش أن التكنولوجيا وحدها لا تستطيع أن تقود التغيير، بل يجب أن تكون مقترنة بسياسات قوية، والتزام قيادي، ومشاركة مجتمعية.
الاستنتاجات الرئيسية والخطوات التالية
واختتمت الجلسة بدعوة صناع السياسات والمستثمرين والمجتمع المدني إلى تبني التحول الرقمي في حوكمة الأراضي. ومن أهم النقاط التي تم التوصل إليها:
تساهم رقمنة الأراضي في تعزيز الشفافية والحد من الفساد وتحسين ثقة الاستثمار.
يمكن أن تعمل تقنيات البلوك تشين والذكاء الاصطناعي والبيانات الجغرافية المكانية على تسريع تسجيل الأراضي والتخطيط الحضري.
إن الشراكات بين القطاعات المختلفة (الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني) ضرورية لتوسيع نطاق الابتكار.
لا بد من إعطاء الأولوية لأمن حيازة الأراضي لضمان النمو الاقتصادي الشامل.
يتطلب التوسع الحضري المستدام تحقيق التوازن بين التحول الرقمي والاعتبارات الاجتماعية والبيئية.
ومع مواجهة المنطقة العربية لتحديات حضرية ومناخية متزايدة، فإن الابتكار في مجال الأراضي سوف يشكل عنصراً أساسياً في دفع عجلة التنمية المرنة والشاملة والمستدامة. ومن خلال الاستفادة من أحدث التقنيات وتعزيز التعاون الإقليمي، تستطيع البلدان فتح فرص استثمارية جديدة، وتعزيز حقوق الأراضي، وبناء مدن أكثر ذكاءً للمستقبل.
تم نشر ملخص الحدث في الأصل على بوابة الأراضي كجزء من شراكتهم الإعلامية للمؤتمر العربي الثالث للأراضي على هذا الرابط .